أحزان سفينة صدئة
من ... رواية .... صمت الأشرعــة
قريباُ ---
خالد لحمدي
....
أنا والبحر وشريفة والسفن والميناء المنسكبة أضواءه على الأمواج المتكسّرة فوق رؤوس الصخور اللامعة بدهشة وبهاء .
هديرها يتعالى حدة وثمة موجة صغيرة تلقي بطرطشاتها ورذاذها على وجهينا
بنعومة ورقة .
الزرقة والموج ووجه شريفة وأنفاسها الدافئة يحتلان المكان ويُحلّقان في
ليل من النشوة والألق .
حبّات الزبد ورغوته الآسرة تتناثر على الصخور وتتلاشى بين الشقوق الصخرية
، ومع كل موجة هاربة أشعر بسعادة وغبطة شديدين .
أنا هنا وشريفة روحان يسافران في بحر من الحلم والمتعة وحولنا بعض العائلات
المنتشرة على الكبس (1) وعلى بعض الأحجار والحشائش القريبة منّا .
جالسين على كرسيين متقاربين مواجهين للبحر .. نحتسي الشاي الأحمر بطعم
النعناع الرائع الذي تحبه شريفة كثيراً .
أنظر الى البحر فأرى عيناها تلمعان بداخله .. أيام طوال وهي غائبة عني ، لم تتصل بي ولم تحادثني .. أسمع صوتها يختلط بالأمواج المرتطمة بالصخور .
تسألني بريبة ..
أتحبني ياأيمن .. ؟
- لم ولن أعشق سواك ..
- كل ليلة أحلم بك تأتين وتجلسين معي إلى ساعات متأخرة من الليل ثم تذهبين
عند سماع ديك الفجر وأصوات المآذن المجاورة
.
- واه .. تحلم بي
.. ؟
- نعم وأرى وجهك مشرقاً كالقمر إكتمالاً .
- هكذا أنتم الشعراء .
طوّحت بي كلماتها نحو ضفاف بعيدة وأخذتني أمواج البحر الهاربة فتلاشت
روحي بداخلها وغمرني صوت شريفة بشلال من الدفء والأنوثة الآسرة .. كل اللغات إنطفأت
في داخلي وفقدتُ كلماتي وضاعت الأحرف من على شفتيّ .. أشعر أن هذا المساء ليس ككل المساءات
، مساء مليء بالجنون والدهشة ، بالحب والوله
0 ترى أي عشق هذا الذي يفقدنا لغتنا وننسى الكلمات التي لاتقف يوماً على أطراف ألستنتا
..؟ وحده العاشق يعي جيداً ويدرك أن تلعثمه
وأصابته بنوبات القلق والحياء إنما هي ضرب
من الإختلال والتوازن توصله إلى كثير من المتاهات العذبة والمضايق الكثيرة اللذة والإنتشاء
.
أوليس الحب مشاعر تنفجر فينا صدفة ، فتشعرنا بوجودنا وكثير من التفتح والإرتقاء
.. ؟
هاأنا اليوم أدرك جيداً معنى سحر الصدفة وروعتها حين تتسلل الى عمق القلب
في لحظة مباغتة تكون الروح فيها غير مهيأة لأستقبالها ووقوفها بقوة أمامنا ، نستعذب
حينها دفئها فنفتح أبواب أرواحنا المواربة بمتعة ورغبة للإمساك بشدة بنورها المشع في
أرواحنا قبل أن يغادرنا ويذهب بعيداً 0
الآن حقيقة وليس حلماً أفتح مداخل
روحي وأحاسيسي الخابئة .. أنظر ألى شريفة .. أراها تخاطب أحد الباعة المتجولين ببعض الأشياء النسائية
التي يحملها على ظهره ليعرضها للزبائن .. تساوم
كثيراً ولاتشتري قبل أن يذهب عقل البائع ويبح صوته حينها تعطيه نقوده وتأخذ هي ماأشترته بعد جهد وعناء .
أهمس لها بصوت غير قادر على التحمّل ، فتعود الى بكامل كيانها وحواسها الضائعة 0
اتعلمين ياشريفة ..؟ أن هذا المكان
يثير في كثير من المتعة والأحاسيس الرائعة ، فمن هنا أرى أنوار المكلا وسواحلها الدافئة
، وأراكِ امرأة مثل مركب لم يمسسه البحر ولم
يلتصق به الصدى ولم تمسس أخشابه الرطوبة والملوحة
.
- أكل هذا تراه فيّ 00؟
- نعم 00 بل أكثر من ذلك 00!
- لو لم أكن كذلك لما أتيت بك إلى هذا المكان المليء بالأصوات والبشر
0
- ماأروع كل شيء هنا 00
- أنظري .. أنظري هناك .
- أين ..؟
- هناك حيث بقايا حطام تلك السفينة الصدئة .
- أتشاهدي تلك الدلافين وهي تتقافز ببهاء ونشوة .
- لالاأرى شيئاً .
- أنتِ مضطربة وقلقة .
- نعم .. في ذلك اليوم النحس حين ارتطمت هذه السفينة بالصخور البحرية
وتحطمت كل اجزاءها ، كانت المكلا واقفة على
الساحل تشاهد تناثر اجزاء السفينة وحطامها . وحين عدت الى المنزل رأيت أبي وأخي أسعد
وبعض الجيران يبكون بكاءاً شديداً ، عرفت حينها أن روح أمي قد انتقلت الى بارئها .
لذلك أحاول أن لاأنظر الى هذه السفينة .
لقد كانت أروع الأمهات ، كانت أمي وأختي وصديقتي ، كانت كل شيء بالنسبة
لي ، رحلتَ عن الوجود ولم يعد لها سواء الذكرى
والأوجاع المحزنة برحيلها المباغت 0
إنكسر قلب أبي ولم يفكر بعدها بإمرأة سواها ، كانت حبيبته ورفيقته وبقي يعيش على ذكراها
ولم ينسها ذات يوم .
انتشر سرطان الثدي الى كل جسمها
ولم يبق منها شيء .. لم ينفع معها أي علاج أو دواء ، كانت في أيامها الأخيرة توزع كثير
من إبتساماتها التي لم نعهدها منها وكأنها تشعر بأن الموت قريب منها وسيأخذها بين
لحظة وحين .
- أعذريني .. لقد جئتُ بكِ الى مكان أشعل آلامك وجروحك الغائرة .
- أريد أن أنس ولكن تلك السفينة فتحت كل الحزن في داخلي 0
- ولكن اعلمي أننا محظوظون كثيراً بأن لنا بحر رائع مثل هذا البحر ينسينا
عذاباتنا وكآباتنا وألامنا الكثيرة .. بزرقته وأمواجه وشواطئه الممتدة إلى مالانهاية
.
- أوه ياأيمن .. تحب المكلا وبحرها
كثيراً ..!
- نعم وإنتِ أجمل شيء سكن فيها 0
- صوته يشعرني بالأمان والألفة وينسيني إغترابي وخيبتي ، أشعر بالطمأنينة
والدفء حينما أكون أمامه ، لذلك لاأستطيع أن أخفي ولعي وتوقي له ، أرى فيه اللواذ والهروب
من ألمي وهزائمي ، وحده الذي يشعرني بالقوة
وبأنني أعيش حياة ناعمة دافئة ، أنسى خلاله انكساراتي وخوفي ووادي القلق (2) الذي يلاحق ذاكرتي ، وقد سافرت عنه وتركته يحترق
بين أيدٍ أكثر زيف ومراوغة .
أعلمي ياشرّوف إن للمدن آثاماً تلتصق بنا حين نغادرها الى أمكنة
أخرى نحمل معنا تلك الآثام الموجعة ونشمها في ملابسنا وفي رائحة سجائرنا وفي كل مكان
تطأه أقدامنا 0 لذلك آتي دائماً الى هنا لأطوح بأثمي وخطاياي داخل عمق البحر .. وأغتسل بمياهه فأعود طاهراً نقياً من كل دنس ألتصق
بي 0
كل الذين هم الآن جالسين على البحر ينفضون غبارهم ومتاعبهم ، وكم هو كتوم
ورؤوف بهم ليخفي بداخله همومهم ومتاعبهم الكثيرة
0
إن المدن كالنساء 0 فثمة نساءٌ تعشقها العين والقلب من اللقاء
الأول وتمر بخيالك كطيف عابر ، ونساء آخريات تعشقهن طوال العمر وتتمنى أن لايغبن عن
عينيك أبداً 0
مثلك أنت ، فأني أحمل معي دائماً روائحك وعطرك أستنشقه كل صبح ومساء فأشعر
وكأنني خارج التاريخ والزمن 0
فمنذ أول لقاء بيننا في ذلك الصباح الآسر وأنا أحاول أن أخبرك بما يعتمل
في داخلي ولكن قدراتي لم تساعدني للبوح بشيء
مما كنت أريد أن أخبرك به سوى بعض الهرطقات
والكلمات المرتبكة في أحوال الناس والدنيا والكون الفسيح حولنا .
كنت أموت أمامك وأنت لاتحاولي الأخذ بيدي ، منشغلة كثيراً بتلاميذك وكتبك وحياتك اليومية المرتبكة
0
أعرف متاعبك ومتاعب التربية وتدريس التلاميذ الصغار وتربيتهم ومشاكلهم
التي لاتنتهي 0
أعي كل ذلك ولكن أريد أن أشبع من رؤياء وجهك ، فعمر الحياة قصيرٌ جداً
ونحن قد تخطينا كثير من العمر دون أن نحصل على لحظة واحدة نعيش خلالها متعة مسروقة
أو لقاء عابر ينسينا متاعبنا الطائلة ، فقد
كثرت حولنا المتاعب والموت المفاجئ والحوادث المؤلمة ، ونحن نصارع وهم وسراب ولحظاتنا الرائعة .. نمر بمحاذاتها ولانعرها
أي أهتمام وتلك أنانية منّا 00 علينا أن نتمسك
ببعضنا فالعمر كالورد يموت سريعاً وماذهب لن
يعود ثانية 0 ولم يبق في العمر إلا القليل
0
كنت ألحظ صمتها وادراكها جيداً لما كنت أقول لها ، مدرك بؤسها ومشفق على
روحها المكلومة والتي لايزال الحزن مسيطر على ذاكرتها وتفكيرها وحياتها بكاملها، فأحاول
أن أخرجها من مضايق ذلك الحزن إلى أراض من
البهجة والفرح واقناعها بحياة أكثر متعة وأشد بهجة 0
قلت لها بعد شيء من الصمت والتردد 00
- لم نأت إلى هنا لنفتح
أبواب الماضي المحزنة 0
- فقاطعتني قائلة 00
- ولكن الجروح لاتشف
ولاتنطفي وإن مرّ عليه ردح من الزمن 0
- أعرف ذلك ولكن يجب
أن نعيش حياتنا وندع الحزن ، فاللقدر خططه
التي يفاجئنا بها بين حين وآخر وإننا مؤمنون بقضاء الله وقدر ه 0
- أليس كذلك ياشرّوف
00؟
لحظت حينها إبتسامة هادئة ترتسم على محياها الغض الطري وبدأت كأنها تخرج
لتوها من كوابيسها المؤلمة ، شعرت أن في أعماقها
بركان من الحب لم تحن بعد لحظة تدفقه وانفجاره
00 لو تعلمي أنك المرأة الوحيدة التي سكنت كل قواي وأحتلت كل أجزاء روحي من بين نساء
هذه المدينة المزدحمة بكثير من الوجوه الناعمة الطرية ، وحدك أنت التي لازلتِ تحيين
في داخلي روح ميتة ومهملة .. لذلك أحاول أن أُصدقك في كل شيء أقوله لك ، وأصارحك بكل شيء كي تذهب كل
الحواجز المنتصبة بيننا والجدران الفاصلة بين قلوبنا وأرواحنا 0
أنتِ لستِ وهم بل حقيقة وحين
شاهدتك لأول مرة أحببتك كثيراً ولم أعد أرى في المكلا إمرأة مثلك أو تشبهك في شيء ،
أنت جنوني وعشقي 00 كم أشتهيك وأموت لهفة حين
أسمع صوتك أو أراك مصادفة ، وقد غدوت منك أكثر قرب وصلة .
- هكذا أنتَ إذن 00؟
- بل أكثر من هذا
00!
- مهبول ومجنون ولايوجد
لدي عقل وقد وهبته مجاناً للعقلاء من أمثالك 0
- أتعلمين أن خلف كل
متعة ولذة تنتصب كثيراً من الفجائع والمهالك 00؟
- قد لاتعين ذلك جيداً
00!
فلايوجد في هذا الزمن شيء أروع وأجمل من أن ترى امرأة عاشقة تموت كل يوم
حب ووله وحرص عليك ألى أن تعود أليها فتجدها في انتظارك بخوف ولهفة 0
قد أكون أكبرك عمر ، ولكن قدري وقدرك إلتقيا صدفة فتشابك بعضهم بعض ولم
يستطيع إن ينفصل احدهما عن الآخر 0
لذلك لم أعتد على غيابك وعدم رؤية وجهك في كل صباح ، حين أذهب إلى عملي
أمر بمحاذاة مدرستك فأشاهدك من بعيد وأنت تقفين في الطابور الصباحي ترتبين الطلاب مع
بقية زملاءك وزميلاتك من معلمي ومعلمات المدرسة 0
ولن أتصور يوماً أن تكوني لغيري وتذهبي إليه بمحض ارادتك ، ذلك سيقتلني أو قد أجن أو أسير في الطرقات أحمل
قلبي بين يدي وأشكي وأئن كثيراً لوجعي ووحشتي لفراقك 0
أن في الحب ملذات وعذابات جمة
والخطوة الأولى هي التي قد توصلك إلى مبتغاك أو تلقى فيها حتفك ونهايتك وقد تصل إلى
بر الأمان فتصبح حراً فتكسر حينها تلك الأغلال التي تكبلك وتعيق خطوك وتقدمك ، ولولى أنكِ من أسرة ملتزمة بتقاليد وأعراف متوارثة
لأخذتك من يدك وصرخت بملئ فمي كي أعلم الناس بأنك حبيبتي ولست إمرأة عابرة في حياتي
، بل حبيبة أحببتها حين وجدتُ فيها كل الصفات الرائعة والمستحبة 0
لم أطلب منك شيء سواء أن تتركي هبلك وتكوني جادة مرة واحدة في حياتك وتعلمي حقيقة أننا نعيش حب خال من
الزيف والعقد .. عظيم يكاد يكتسح كل ماأمامه
بعنف وشدة 0
أنت لاتعلمي أن يعيش المرء وحيداً ومنعزلاً عن الآخر ، ولايجد من يحكي
له همومه ومتاعبه ويتكئ عليه وقت نوائبه وشدائده القاسية 0
لذلك سأحبك أكثر وسأغمض عيني وأفتحها على رؤية وجهك العذب الوضيء 0
الآن لم أعد أهتم بأحد سواكِ وإن كنتِ منشغلة بطلابك ومدرستك 0
- أنت لاتعلم شيئاً عن
حياتي الماضية 0
- أنا الماضي والحاضر
والآتي والمستقبل وكل وقت سيأتي سيكون أجمل من ذي قبله وافضل منه 0
- لأنك تعشقني بكل حواسك
وبإنفعال مفرط وأخاف عليك أن تتراجع في لحظاتك الأخيرة 0
- فقد كنت زوجة لشاب
من حيّنا خطبني من أبي منذ مايقارب العشر سنوات وتم زواجنا ولم يستمر طويلاً ، أحببته
من أول ليلة إجتمعنا فيها ، ومع الأيام تغيّر حاله وأصبح لأيأتي الى البيت إلا نادراً
وقيل أنه خرج الى البحر برفقة بعض صحبه ولم يعد من حينها 00 وأمتد العمر وانقضت السنين
تلو الأخرى ومثلما تراني حيطة متهالكة تنخرها الرطوبة والأمطار الغزيرة المتساقطة
.. وأتيت أنت في وقت لم أكن فيه مهيأة لزوابعك ومطرك ، بل لم أملك الشجاعة في أن أتخذ
قرار لبدء حياة جديدة ومغايرة .
- أتعلمي مامعنى أن تعيشي
حياة مفرغة ووحيدة 00؟
- ذلك قدري 00!
- نحن الذين نرسم خطانا
ونعلم في النهاية أين نذهب وماذا نريد 0
- أنت خائفة من أبيك
00؟
- سأذهب وأخبره بكل
شيء وأطلب منه يدك
- أعرف أبي سوف يمانع
، فهو يريد رجل ينتمي إلى قبيلته التي يفاخر بها ويحكي تاريخها وأمجادها كل يوم .. لذلك
لاتذهب أليه كي لاتعود منهزم ومتألم .
- ماذا أصنع إذن ..؟
- دع ذلك للأيام والزمن
.
أنتَ أسعدتني كثير من أول يوم رأيتك فيه ، صحيح كنت مترددة ، ولكن مع الوقت اعتدت عليك وألفت
طباعك 0
أنت من مسح عن عينيّ حزني وكأبتي وأخرجني إلى عوالم لم أكن اعرف عنها
شيء ونفضت الغبار عن وجهي في حين قد تركني أبي وأخذته الحياة ولم يعد يصغي إلي وإلى متاعبي 0
كنت أنت القريب ومن يسمع توجعات روحي الحالمة بعد أن ضاقت بي روحي وكل الأمكنة ولم تعد قادرة
على أحتوائي وتضميد جراحاتي الغائرة 0
لذلك أحببتك بشوق ولهفة ، بكل حواسي ومشاعري ، فالمرأة حين تحب بإندفاع وقوة تتمنى أن من تحبه لايموت ولايغيب عن عينها أو يذهب عنها بعيداً 0
لاأدري قد أكون تسرّعتُ كثيراً ولكن الأيام والعمر يجري بنا مسرعاً ،
وأريد أن أنسى جراحاتي وسنيني الموجعة ، أوعدني أن لاتخذلني يوم وتزيد فوق جروحي جروح أخرى .. وتذكر إني سأكون لك دفء وصدق ووفاء 0
قطع علينا لحظاتنا نادل البوفيه وهو يأخذ فناجين الشاي المفرغة ويذهب
في اتجاه البوفيه الخاص به 0
قلت لها أنت امرأة رائعة وتستحق أن تعشق وتكون أميرة العاشقات وأروعهن
دهشة وجمال 0
واه 00؟ هذه الكلام قد يجعلني أغتر بنفسي كثيرا 0
لاعليك 00 فأنا أعلم جيدا بأن حياتنا ملك لنا وحدنا ويجب علينا أن نحياها
مثلما نريد لا مثل مايريدها لنا الآخرون ، فالحب وحده يأخذنا إلى دروب ومتاهات كثيرة
نعرف خلالها أحجامنا ومدى قوة صبرنا وتحملنا متاعبه ووروده العذبة الشائكة ، وليس أجمل
حين يغمرنا بلذته ودفئه ويشعل أشواقنا الدفينة
والمستعرة ، وينسينا متاعبنا وعذاباتنا الكثيرة 0
أحبك كثيراً 0
وأنا أكثر منك بكثير 0
كان البحر حينها يتزايد هيجانه وأمواجه المتعاقبة ، وقد أشتدت البرودة
حولنا وأضيئت كل شوارع المكلا لتدخل في ليل طويل ساحر لايهجع إلا في ساعات متأخرة من ليل المدينة وقبيل بزوغ
الفجر بساعات قلائل 0
لاأدري يساورني حلم في أن أمسك بيد شريفة وأدخل برفقتها إلى البحر وننغمس
بداخله ساعات طوال ولانغادره إلا بعد أن يذهب كل الذين هم على ساحله وعلى ضفاف صخورة
المتراصة بتنسيق وعناية ، فلم أعد أسمع أو أرى سوى حركة الأمواج واحدة تلو الأخرى وتكسّر
المياة على الصخور بشدة وقوة .. حنين جارف
يشدّني للاستحمام هذا المساء لولى الأعين الكثيرة المنتشرة ، فأعود ملتصق بموقعي بجانب شريفة مستمتع بالبحر ومنظره الآسر ، مبحر ومستكشف روعة الصمت ولحظاته
الآسرة .
..................................
1)
كورنيش المكلا 0
2)
وادي حضرمـــــوت .