نثار لوهم يتسع
.......
خالد لحمدي
حين يذهب ماتبقّى من حلم في وجدان هذه الأمة .. وتضيع دروب الحق ،
وتنقطع وشائج الخير والألفة .. تلك هي الكارثة .. التي وضع اساساتها ومعالمها عقول مخاتلة
لاتعرف الحب وتجيد زراعة القبح وتجمع في ثنايا روحها الجدب وكثير من
التفرقة والتخلّف وبعض من التحدّي الذي يحرق ولايضيء .
يبزغ حينها نور كثيف من الإنحدار السحيق ، ويظل
في تقدم وتنامي .. تموت حينها الفضيلة والمبادئ السامية التي يسعى البعض للامساك
بها ، وآخر يذبحها في وجه وطن يقبل كل شيء ولايمُيّز بين الأشياء .
يستفحل حينها فساد تصنعه عقول تعشق البهوء
وتستميت تشبّثاً بالوهم وكراسي مرصعة بالكذب والأماني الزائفة .
تنهار خلال ذلك الحالة الاقتصادية وتضيع وتتلاشى
القيم الأخلاقية والانسانية وتغيب ثقافة الحب والتسامح .. وتسير الأرواح في أرض
ملغومة بالتشظي ، وتتشعب الدروب والمناح ، فلايدرك الصادق دربه ويقع بين الوهم والحلم .. وشتّان أن يلتقيان العتمة
والضوء .
لقد طغى السياسي على الانساني وصار سلوك مشين
لايستطيع الاستغناء عنه ولو بطرق فاسدة مخاتلة .. وبقي الصادق وحيدا يتربع على قيم
فاضلة ، وقد أعتاد على تبعات ذلك من ويلات
ومآس ، لايعبىء بشيء سوى ضميره الذي لايستطيع وأده أو الصمت عمّا يسكنه ومايعيش في
داخله .
وقد افرزت موجة مايسمى بالربيع العربي ... وهو
ليس ربيع بل صيف قائض ، عن كثير من الخبايا والنيات المبيتة .. التي طفت على السطح
وكشفت عن دواخلها السيئة الدنيئة .. وسعت الى غاياتها المرسومة منذ عقود من الزمن
لتنشر عفنها النتن ، متناسية كل شيء .. لتظهر بوجه مغاير وعباءة مطرزة بالنور
وبداخلها كثير من الدجل والايدلوجيات الموبؤة الفاسدة .
ذلك نثار لوهم يتسع .. يزحف نحو غايات لاتهدف
للتحرر والتغيير ، بل للإمساك بتلابيب وزمام القرار ، والجلوس على عروش تحلم
بالجلوس ولو على أطرافها منذ عهد بعيد ..
وقد رفع الستار عن تلك المسرحية البشعة الهزيلة ، التي دمّرت أمم وشعوب ،
بشعارات مُغلّفة بالتحرر ومُبطنة بمصالح واغراض ذوات كاذبة .. ركبت صهوة النضال الزائف لأغراض يدركها البعض
ويعلمها اولئك البررة المرائين .
نُهبت الثورات وركبها الزائفون بخطابهم التنويمي
الناعم .. وسالت الدماء والأوردة .. ومات من مات .. ومابقي لم يجد الدواء وعاش
مكلوم يجرّ أنفاس ثائرة أخيرة .. في حين
ذهب العتاولة ليزيدو الأرض فسادا ويسرقوا
ماتبقى من نور وأمل في عيون الثائرين .
لم نكن في منأى عمّا حدث .. وقد تشرّبت أرواحنا
كؤوس الزيف والمرارة ، ولكن يبقى النصر حليف النور والحق ولو كره الكاذبون .