اشتعالات الوجع
...
خالد لحمدي

    


يحاصرك الوقت وتداهمك الفجائع والأحزان في زمن مهترىء كثرت به المآسي والفجائع التي لا حد أو طائل لها ،  يجلدك بسياطه الكثيرة المؤلمة فتتألم وتبكي عيناك بأسى وحرقة ودواخلك تحترق وأنت كئيب وصابر على اختطاف روحك وتشظياتها ونهاراتك السوداء البائسة ، تتحمل بصبر وقوة  مصائبك وخوفك  بعد أن غادرك أعز رفاقك وأصدقهم ، وبقيت وحيداً تتأمل حولك أصواتا وصورا يتردد صداها على مسامعك ، فتزيد وحشتك وتفتح داخلك أبواب حلمك وضحكات وذكرى زرعها فيك من رحل عنك ، فتلحظ كل شيء مورداً ومزهراً ،  وكلمات معطرة بالشوق والندى تحاول أن تبدد أوقات حزنك ، وتكفكف مدامعك حين ترى وجه من تحب ماثلاً أمامك يحادثك طيفه فلا تستطيع أن تتركه ،  تحاول جاهداً الإمساك به فيذهب بعيداً ..
فقد أخذ الموت الشاعر والملحن الرائع  عبدالقادر الكاف ..
رحل دون تحية أو وداع .. بقلب مترع بالحب والعشق والوفاء .. وروح طاهرة نقية كالماء ..
ذهب قبل أن نشبع ونرتوي من قصائده ونغماته الآسرة .
ترك عشاقه يحيكون بعده أروع القصائد وأجمل النغم الذي لم يكتمل .
يا أروع الناس والقلب الواله بالحب والمحبة والطهر والنقاء  .
لسنا سعداء ببعادك ، ولا أرواحنا ترغب في ذلك ، ولكن تلك حكمة الله في عباده وإننا بها راضون ومؤمنون بالقدر خيره وشره  .
أنت من أسعدتنا وزرعت البهجة فينا ، وما زلتَ بروائعك تطربنا وتدهشنا كل ساعة وكل لحظة بل كل يوم  .. حين نسمع  روحك تغنّي  بأصوات غيرك ماكنت قد كتبته وصغت لحنه بروعة وبهاء .
أنت الباقي فينا بكل ما نثرته بيننا على مدى حياتك الحافلة بالألق  والعطاء .
ينابيع دفئك تدفئنا في أحلك أيامنا وأشدها برداً وقسوة  ..
أيه الرائع لانزال نحتاج إليك كثيراً ، فأرواحنا وقلوبنا لم تشبع منك أبداً .
فهل حقاً حان  بُعدك ، ورحلتَ عنّا تاركا أرضك وديارك ..؟
فقد أخذت قلوبنا وأفئدتنا معك وتركت أعيننا تبكي وداعك ورحيلك المباغت الذي لم نكن مهيئين له بعد .
فهل كان قلبك يستطيع وداع حبيبه ..؟
فكيف نحن نستطيع الابتعاد عنك ووداعك ..؟
حين قلت ذلـك فــي إحدى روائعك .
حان بُعـدي حبيبي كيــف با ودعـــك ..؟
بتركك في ديارك كن قلبي معك
لا ذكــرت النــوى .. زاد جــرح الهــــوى .. وان ذكرتك بكيت
لا بقائي بيدك لا ولانا على بُعدك حبيبي نويت .
أنـت خلــــيتنا شــــوف العجـــــز نابلــــس
واتخــــيل الواسطـــــــة كأنها الأندلـــــــــس
ما عــرفـــــــت الهــــــنا 00 إلا بقربــــك هنـــــــــا 00 مــــــن لقـــــــاك انتشــيت
لا بقائي بيدك لا ولانا على بعدك حبيبي نويت .
إن روحك العاشقة لا يسعدها البعد وترك من تحبهم وتموت كل يوم رغبة في رؤياهم ومشاهدتهم .
ذلك أنتَ لا تطيق وداع من تحب ، فوداعه يترك داخل روحك جرحا غائرا لا يشفى أو يندمل  ، وإن ذهبت عنه وحالت الظروف بينك وبينه ولم تلتقه  يوما  ، تبكي حين تذكره ويزيد شوقك إليه ، وتلك هي متاعب الحب ومآسي العاشقين . 
فقد قلت ذات يوم بروعة ودهشة ..
سيّبت قلبي معــك يا صاحبي فــي سنا
وبعدت عنك ولا لــي فـي بعادك هنا
في البعد مانا سعيد .. ولا فؤادي يريد
ذلا فضيلة علي ذا لي كتب والنصيب  .. يا الله بعوده قريب
وتعـود أحلى الليالي فـــي ديار الحبيب ..   يا الله بعودة قريب
إن هذه الصور الرائعة والملامح المدهشة لم تأت مصادفة بل كانت إثر تألم واحتراقات قلب الشاعر ولواعج أشواقه وحبه حين ترك قلبه بين يدي حبيبه ليذكره كلما اشتاق اليه في بعاده وغربته المريرة .
  وحين يخاطب حبيبه ويصارحه ويعترف له بحبه وبحقيقة شعوره تجاهه فإنه يخبره بوضوح وصدق بأن حبه له لا يستطيع أي عاشق أن يتحمله أو يحمل متاعبه ومشاقه ودروبه الخطيرة .. ذلك حب مليء بالألم والعذاب وهو يستعذبه ويستعذب لذته وفخوراً بهذا الحب الذي جعله كبيرا وعظيما في أعين الناس ، حين رأوا علائم ذلك الحب على وجهه .. ومؤكد بأن للحب علامات وبشائر ترتسم في أوجه العشاق دائماً .
حين قال بألق وروعة ..
الحقيقه إنك إنتَ ماعرفت ايش الحقيقه    ...   ماعرفت إني أحبك حب غيري مايطيقــه
حب عذبنا كثير ..   بس خلانا كبير  ..  في عيون الناس لي شافت على وجهي بريقه
 إنها هذى الحقيقه   ..
وقد تغنى الفنان عبدالرحمن الحداد بهذه القصيدة وكان أكثر احساس وجمال في اداؤها بصدق وبهاء .    
وفي أغنيته الرائعة والشهيرة التي تغنّى بها كثير من الفنانين وكان أروعهم في اداؤها العزيز الكبير الفنان عبدالرحمن الحداد ( على ميعاد ) التي يخبر روحه ويبشرها وينتشي فرحاً بأن في هذا المساء سيلتقي بمن أحب بعد هجر وغيبة طويلة ، يُذكّر من خلالها حبيبه بموعد لقاءهم كي لا ينسى ذلك الوعد ولا يجعل أحاسيسه عرضة لكذب حبيبه في عدم الاستجابة للحظات اللقاء .. حين يقول ..
على ميعاد .. أنا وأنت ياحبيب الروح الليلة .. بعـد لبعاد .. با نطفي لهيب الشـوق في ليلة
تذكر لا تقـع ناسـي .. ولا تلعـب بإحساسـي  ..  وتذكر إننا الليلة الليلة أنا وإنت على ميعاد

برب الحب أحلــف لك بأن الحب لك باقي   ..   وأني جيت لـك عانـي بوجـــداني وأشواقــي
واذا غنيت فـي الغيبة أغانـي لــــك أغنيها    ..     وتكفيني الليالي شاهد إني أذكـرك فيها
وفي الأحلام كــل ليلة أنا وأنت علـى ميعاد  .
تلك لحظة صدق ووفاء وإحساس عذب غير قابل للكذب والمراوغة ..
إحساس بليالي الغربة والبعاد وألم اللوعة والوحدة القاسية ..
كلمات تخاطب القلب وتترك على ضفافه آثارا رائعة وأحلاما جميلة  تشعرنا بأن من أحبه قلب الشاعر أكثر جمالاً وسحره لا يكاد يوصف أبداً .
رحم الله أبا حداد ..
فقد رحل رمز الحب والعشق والصدق والوفاء .. رحل وترك لنا الشحوب والعتمة بعد رحيله .. وسيبقى ما حيينا رمزاً  من رموز الحب والجمال والرومانسية التي لا تنتهي  .

.......
نقلا .. عن كتابي .. وجه آخر للنسيان .. قيد الطبع  .




المشاركات الشائعة من هذه المدونة