أولا يعلمون ..؟  

....

 

لاشيء نلمحه يضيء طريقنا سوى الوهم والخيبات المتلاحقة ، وتزايد البؤس والوجع  في قلوب  أمة صابرة على الشقاء ، وعزيزة  لاتنحني سوى لواحد أحد .. تجاهد بصبر وهي محتسبة صابرة .. تحلم بأمل . وتقف أمامها جبالا من القهر وغيوم لاتمطر شيئا، تحجب حلمها وتمنع النور أن يدخل أرواحها وتظل تعارك وتعارك وتنتظر .

أوليس من حق هذه الأمة أن تعيش برخاء وتحلم بعيش كريم وتتأمل اشراقة ملأى  بكثيرا من الطموحات والأمل .. بكثير من التطلعات والأحلام المؤجلة منذ عهد بعيدا ، وهي تُرحّل أحلامها عاما بعد عام .. على أمل تحقيق ولو بعض منها ، وتأتي السنين العجاف على بقايا عمرا أوشك أن ينسى وهمه وحلمه ، وقد تكالبت عليه نوائب الدهر وزمن القحط واليباب  ؟

إن هذه الأمة لاتحلم بالمستحيل .. وتعي جيدا ماحولها .. وأني أجزم أن غالبية سكان هذا الوطن .. لايستطيعون توفير رغيف خبز حاف وكأس شاي وبعض من حبّات الأرز خلال شهر بأكمله ، وقد ينتهي أسبوعا أو أسبوعان وينفذ ماكان يختزن هؤلاء في بيوتهم من كل هذه الأطعمة ... إضافة الى الدواء وضروريات أخرى من الاستحالة الإستغناء عنها .. كالماء والكهرباء والهاتف ، وماتأتي به فواتير هذه الخدمات من مبالغ يعجز الكثير عن دفعها وسدادها .

ناهيك عن كثرة البطالة وقلّة الدخل للفرد وعدم توفّر فرص العمل ، اضافة الى اليتامى والأرامل والعجزة والمرضى والمعسرين .

اني أشعر أن هذه الأمة تقف على حواف جرف يوشك أن ينهار بها ذات يوم .. وقد يكون قريبا جدا ، وربما تستيقظ ذات صبح ولاتجد أنفسها ، أو غادرت مكانها الى مكان آخر لاتعرف عنه شيئا  .           

لقد ابتلى الله الأمة بحكّام لايعون شيئاً ، بل لايشعرون .. أو ليس هم بشر مثلنا .. أم هم مختلفين عنّا ...؟

لايشعر بالإنسان سوى الإنسان نفسه .. ذلك الممتليء بالصدق ، القريب من الله وحياة العامة والبسطاء ... ينظر إليهم .. يعرف من وجوههم وأعينهم  بماذا يحلمون ، وكيف يُفكرون ، وكيف يعيشون .. أولا يعلمون  إن الجائع ليس مثل الذي ينام على الموائد العامرة ويصحو على بحاراً من العسل و مالذ وطاب  .

إن هذا الوطن بدلا من أن يمنح شبابه قروضا ميسرة من المال لمساعدتهم في انشاء مشاريع صغيرة تعينهم على متاعب الحياة .. يجعلهم يموتون ببطىء وبالتقسيط مرضا وفاقة وعوزا شديدا . 

ان هذا الوطن .. الجرح ..  يتوغل فينا ، ويدخل بنا أبوابا ومسالك معتمة ، لاتبهج ولاتسر .. يُرتل سمفونية التشظي الباذخة لأمة عزيزة تأبى أن تكشف عن ألمها .. وقد ران عليها الموت والتعب .. وتزيدها السنين  توجعا ومرارة ، وقد يفقدها ذلك صوابها ولا ندري حينها ماذا سيكون .

ومع قدوم رمضان .. هذا الشهر الكريم .. اتسائل بأسٍ وتوجّع .. كم من الدمع والحسرات ستنزفها الأرواح المريضة التي لاتستطيع العلاج .. كم من الأنفس التي تشقاء ولاتستطيع  أن تجد مايسد رمقها ، وتعيش ممسكة بجمر الصبر وتقاوم قسوة  الجبابرة والطاغين .

 كم من الأرامل والأيتام والعجزة والمعسرين .. كم من البائسين الصابرين في كل ضائقة ولحظة حرجة يمرّون بها ، يرفعون أيديهم الى الخالق للدعاء على من تسبّب في جوعهم وبؤسهم وقهرهم وهم أعزّاء في وطنهم .. هذا الوطن الذي أماتهم جرعة تلو أخرى .. ووضع على رؤوسهم أناس لايرحمون ولايفقهون لشيء .    

رغم كل المرارات والتوجعات الكثيرة .. يبقى الحلم مُعلّق على عتبات ضوء ينهمر ، مليء بالحلم والأمل .. قد يجيء محمّلا بسيل من الأماني بعد قهر وصبر وانتظار   .