عام رحل وآخر سيأتي
...
خالد
لحمدي
صحيفة المسيلة العدد (
818 ) الأربعاء 18 ديسمبر 2013م
.......
الى العام الميلادي الجديد .. بكثير من التفاؤل
والكثير من الأمل .
......
ها نحن نوشك أن نُكمل عاماً يكاد يطوي بقايا أيامه وصارت ساعاته قلائل
ليسافر بعيداً ، ولم يبق سوى أيام ونحتضن عاماً جديداً آخر ، لاندري كيف سيكون وكيف
سنُمضي خلاله أيامنا وأعمارنا ، ذلك لايعلمه سوى الله جل علاه .
كانت خلاله طرقاتنا ومسالكنا تضج
بالقحط وأصوات العويل والموت ، عاماً مليء ببعض من الفرح ، ويكاد الحزن هو
الطاغي والسائد على أوقاتنا ولحظاتنا المنقضية من أعمارنا الفائتة .. كنت حينها
أراوح مكاني بين الفجر والحلم وكثيراً من الأماني .. صباحاتي
ومساءاتي شاردة ، ولغتي تتسكع بحثاً عن
وطن .. ومدينتي التي
اشعلتُ لأجلها أصابعي لم تعد تعرفني ، وأتت على ورود ربيعي لتشعل الجدب فيها بنهم
ولذة ، وأحرفي الوجعى تخطو بي
وتكتبني ، ومسالك الضياء والماء شائكة بعيدة .
صعاليك زمني يُعانقون
قيانهم ، وشرفاء الأرض يمتطون صهوة اليأس وينزوون خلف بؤسهم ، تلاحقهم الديون والخيبة واصوات صاحب البقالة والمخبز والصيدلية والأقساط
الشهرية ، والتزامات أخرى لبعض من الأصدقاء ، واطفال فتك بهم المرض وسوء التغذية
وامراض العصر المتواترة ، وماتت الطفولة وتكاثرت الثكالى والأيتام .
شبح الفقر والجوع والمرض تسلل الى قلوب البسطاء والمعدمين ، نفذ الى
البيوت والعشش والأكواخ ، واستوطن الأرواح والأفئدة العزيزة الصابرة .
رحل العشق ومات الحب وفقدت النساء شفاهها ونست الأنوثة ، وذهب الرجال بحثاً عن ماينسيهم طلبات زوجاتهم واسرهم ، ليرتمون في أديم ليل لايستفيقون منه أبداً .
نسي الوطن أبناءه فلم يعد له في أرواحهم ذرّة من الغيرة والاشتياق ..
مات في دواخلهم ولم يذرفوا عليه شيء من الدمع ، واداروا له ظهورهم دون ندم
أو بكاء .
عام مليء بالخيبات والآلام المتواترة .. كان من سماته الاستخفاف بالإنسان
واللامبالاة به وبحياته .. قُتِلت وازهقت فيه كثير من الأرواح البريئة بقصد وعناية
.
فُقد الأمن والأمان وصار الإنسان يخشى على حياته كثيراً ، ويخاف الغدر
والخديعة ، وذهب السلم واحتل الخراب والدمار كل ارجاء الوطن .
وفي مدينتي ومايحيط بي ، كان عاماً مليء بالشوك والمتاعب والأرق ..
كنت خلاله أذرف الدمع وتشتعل الأحرف بين اصابعي .. تشعل مفرداتي وجُملي بالكثير من
النور وكثير من الحرائق واللهب .. كتبت وكتبت وكتبت عن .. القطن .. مدينتي .. التي تشبه امرأة خشنة
طاعنة في السن وتتصنّع الدلال والصغر .. عنيدة مكابرة ، فقدت جمالها وانوثتها ..
عجوز شمطاء لم تعد تصلح لشيء سوى الثرثرة
وقلة الحياء .
لذلك أقول لأبناء .. القَطن .. مدينتي .. اوهل أوشك الدمع أن يجف بعد تكاثف الغيم في سماء لاتعرف الغيث
ومزائن المطر ..؟ أوهل أصبحنا نمرُّ بمحاذاة العتمة فنهرب بحثاً عن النور دون
أن نسأل أرواحنا من صنع هذا بنا ، وعجّل بدنو ليلنا ونحن نعلم وندري بكل شيء
ونحاول أن لاندري شيئاً ..؟ أوهل كُنّا ذات يوم مثلما صارت فيه أحوالنا من
صمت مخزي وسكوت جبان .. فالشرفاء عادة يتقدّمون ..
والإمعات يتأخرون ، وقد تبدّلت وانعكست الأشياء أخيراً ومؤخراً ، والفضل
دائماً للمتقدم .. حيث لاتقف في الصفوف
الأخيرة سوى النساء .. أوهل نحن هكذا ..؟
نرى الجدب والتردّي ونغض ابصارنا كمن لايرى شيئاً ..؟ نُجيد فقط التشنّج المُقيت والأصوات العالية والنقد
وانتقاد الأخطاء وأوضاعنا المتردّية .. ولكن فقط على كراسي المقاهي ، وعند نساءنا
في البيوت ، ونتحدّث بحرية وحرارة شديدة ، ونصحو صباحاً ولانُحرّك شيئاً واليوم
مثل الأمس ، وتمر الأيام ونحن متكلين على غيرنا ليأتي ويُغير احوالنا وأوضاعنا
المهترئة البائسة ، ولن يأتي من أنتم تنتظرون مجيئه ليُغيّركم ويصلح حالكم .. قفوا تأملوا ، انظروا ، اقرأوا التاريخ .. فهذه المدينة
.. مدينتي .. بناءها رجال افذاذ في زمن رائع وجميل ، وقام بتدميرها وخرابها أغبياء
في زمن جبان ومنافق .. أتدركون المفارقة .. أتعون المرحلة جيداً .. سيأتي يوماً لن
يستطيع أحدكم فيه أن يجد المدرسة ،
والمستشفى ، والطريق ، وستتغير وجوه الناس من بيضاء الى سوداء مكفهرة ولن يستطع
أحد محادثة الآخر سوى بصوت ولهجة عنيفة ، اذا لم يسبق الرصاص ويتحدث عن مافي
دواخلكم من تعابير ستفتك بكل خير ونماء .
إن السماء هي السماء والأرض هي الأرض ولم تتغير .. فقط .. ذهب الصادقون
.. وركب البائسون الموجة .. حُباً في الكراسي لا حُباً في أمة متعبة صابرة تعاني
التعب والمشقّات الكثيرة .. فلتقفوا على
الحق .. صفاً واحداً حينها لن يستطيع أحداً أن يخترقكم أو يهزمكم .
وفي شهر سبتمبر كتبت عن النقلة
المدرسية التي طالت بعض المعلمين والمعلمات في ثانوية ( الخنساء ) للبنات في ..
القطن .. مدينتي .. وللتذكير فقط ، ولقدوم عاماً جديداً ، ولبؤس وافتقار سلطة مدينتي
ومحافظتي .. فأعود قائلا .. أنكم لم تجيدو أو تحسنوا شيئاً .. سوى الظلم والقهر
لأرواح تربوية تسعى لبناء الوطن ، وأنتم تحملون معاول الهدم لتدمير النقاء والبهاء
بداخلها .. أتدرك مافعلت ياعزيزي .. مدير
عام مديرية القطن ...؟ وإن كان حدث ذلك من قبل مكتب التوجيه التربوي أو مكتب
التربية والتعليم في المديرية ، أو من قبلك أنت .. إن العتب يقع عليك ولاسواك ..
وأنت المسئول الأول في مدينتي ... فقد كان قراراً ظالماً ومجحفاً والله لايحب
الظالمين .. ماالفائدة والهدف والجدوى من تغيير مديرة ثانوية .. الخنساء ..
الأستاذة لونا علي الهدار .. ومالغرض من تحويل ونقل الأستاذة رزياء صالح لرضي
استاذة اللغة الانجليزية ، والزامها بالتدريس في مدرسة للتعليم الأساسي ... لو كان
ثمة عدالة يجب ترفيعها وترقيتها الى وكيلة ، وهي الموعودة بهذا التكليف منذ زمن
بعيد .. أو ليست هذه الأستاذة الشاعرة التي نظمت فيك الشعر ترحيباً بزيارتك
وتشريفك في أحد الأيام لهذه الثانوية ..؟ أم أن ذنبهن أنهن ينتمين الى عضوية
المؤتمر الشعبي العام ، والثانوية قد تكون تعشق حزباً آخر .. ومالهدف من تحويل
الأستاذ محمد سالم بخضر ونقله الى ثانوية سيف بن ذي يزن .. ومالغرض من تحويل ونقل
الأستاذة هناء علي الهدار من المدرسة التي سكنت دواخلها وروحها ونقلها الى مدرسة
أخرى ..؟ وبعد سؤالي لبعض من المُعلمين في ثانوية الخنساء .. أفادني بعض الأساتذة
بأن الثانوية تحتضر ، وتعيش أنفاسها الأخيرة ، وان الطالبات والمُعلمين لايرغبون
في شيء سوى عودة المُعلّمين والمُعلّمات اللذين تم نقلهم من هذه الثانوية .. كان
يجب تكريمهم لا نقلهم وانكم بذلك للعلم والتعليم والنور تقتلون .. وإن الدموع لاتزال تنسكب من عيني ثانوية الخنساء بحرقة
وغزارة ، بينما الحب في القلوب ياعزيزي لايستطيع أحد أن يقتله أو
ينقله أو يقم بتحويله من قلب الى آخر .. كان يجب أن يرافق عملية هذه النقلة تغيير
كثير من مدراء المرافق في مدينتي وفيهم الكثير من الأرواح الشائخة الهرمة .. لو
كنت عملت مثل هذا .. كُنّا سنقول .. انه البحث عن الكفاءات القادرة على العطاء
والنجاح ، ولكن تركت شرخ وجرح في قلوب هؤلاء الأساتذة وإن التاريخ لاينسى شيئاً
والزمن كفيل بالدواء .. فقط .. إن المبدعين مشاعرهم وأحاسيسهم مرهفة .. فرفقاً .. بالنور والاحساس
والبهاء .. لقد اخطأت ياعزيزي .. فيما يخص ثانوية الخنساء خطاء فادح يجب
استدراكه واصلاحه ، ونجحت في أمكنة
أخرى .. وسعيك الحثيت وحرصك على تحقيق طموحات مدينتك يعرفه الكثير من الأوفياء ..
فشكراً لك بما قمت بتحقيقه في مكتب مصلحة الأحوال المدنية بالمديرية ، واهتمامك
المتزايد بالمستشفى وتوفير لها مؤخراً سيارة اسعاف حديثة وجديدة .. وسعيك في حل
الكثير من النزاعات والخلافات التي تحدث بين الناس في حين وآخر ... عام مضى ..
ومدينتي منذ عهود بعيدة يحلم ابناؤها ببناء مُجمّع حكومي .. ومركز ثقافي .. وحدائق
تتوسط المدينة .. ونادي للشباب يجتمع فيه
ابناء المديرية ليمارسوا بداخله العابهم المتعددة والرياضة المفضّلة لديهم .. أحلام
كثيرة لم تُحقق الأرواح ولو بعض منها إن لم تكن اغلبها ، ولازالت الآمال مُعلّقة
والأحلام مؤجلة .. وفيما يخص ذاتي ، كانت من أروع الأحلام
التي تحققت ، حين قام الأستاذ الروائي والعزيز على القلب صالح سعيد باعامر مدير
عام مكتب وزارة الثقافة بالمكلا محافظة حضرموت بطباعة مجموعتي القصصية ( أشياء
صغيرة ) لهُ منّي التحايا الكثيرة أستاذي الرائع والجميل والنبيل دائماً
، الذي تعلّمتُ على يدية فن السرد وسحره
الذي لاينتهي .. أيضاً سعدت بقراءة كثير
من الكتب ذات الأجناس الأدبية المتنوعة ، في الشعر ، والنقد ، والرواية ، والقصة
القصيرة ، وكتب ودراسات أخرى متعددة الأفكار والرؤى .. أورد فقط أهمها التي رسخت
كثيراً في ذاكرتي .. أصابع لوليتا ..
واسيني الأعرج ، الأسود يليق بك .. أحلام مستغانمي ، مملكة الفراشة .. واسيني
الأعرج ، مقامات اللون .. د . آمنة النصيري ، مدائن الارجوان .. نبيل سليمان ،
مصحف أحمر .. محمد الغربي عمران .. وثمة كثيراً من الأمنيات التي أرغب تحقيقها في
العام القادم انشاء الله .. أن أطبع وانشر روايتي (( صمت
الأشرعة )) التي بدأت بالكتابة فيها في نهاية سنة 2010م واكملتها في منتصف
سنة 2012م على ضفاف بحر المُكلا الذي اعشقه ويسكنني ، وقد نثرت على
شواطئه عذاباتي الكثيرة ، واستحمل غواياتي وشططي ، وكان رؤوفاً ورحيماً بي ..
أخيراً أتمنى خلال هذا العام 2014م أن
يُحقق كل منّا أحلامه وامنياته ، وأن أرى وجه وطني ضاحكاً باسماً ، بعيد عن الدمار
والخراب ، وينعم بكثير من الأمن والأمان ، وينتشر النور والبهاء في جميع الأمكنة ،
ويعم الخير والحب كل أبناء الوطن .