أمكنة للعسل وأخرى للموت ..؟
..
خالد لحمدي
صحيفة المسيلة العدد (
817 ) الأربعاء 11ديسمبر 2013م
........
شكراً لكم .. شكراً لكم كثيراً .. أبناء مدينتي ... الشوارع مكتظة
بالبشر والأعين والأرواح منشغلة ببيع وشراء عسل النحل الحضرمي لموسم هذا السنة
.. والقاتل يمرّ بمحاذاتكم . . السيارات
تملأ شوارع المدينة ، وصوت الرصاص يحتل سماءها .. أثمة لعنة تلاحق هذه الأرض .. أي عصر هذا ، وأية أمة هذه
التي تسمع الرصاص ولاتُحرّك ساكناً ..؟
لقد قُتل كثير من أبناء
مدينتي ومدن وأمكنة أخرى طالها الرصاص الغادر .. سقط فيها كثير من أروع
وأنبل رجالات الوطن .. والمرارة والحرقة تشتعل
فينا ، حيث يرتكب القاتل جريمته وفعلته النكراء في وضح النهار بروح باردة ويذهب بعيداً وكأن لم يكن هناك شيء .
فليُقتل منكم واحد اثنان خمسة عشرة ، وستظفرون برأس القاتل ، لن
يحميكم ولن يدافع عنكم أحد إن لم تدافعوا عن انفسكم ، خذوا ثأر من قتل إخوانكم وأبناءكم
وأصدقائكم .. لن يصمد القاتل في وجه أمة بكاملها .. سيرتبك سينهزم .. حينها ينتصر
الحق والنصر للصادقين .
الى متى وأعداد القتلى في تزايد ، والقاتل كل يوم يلتهم ضحية ،
والدولة غائبة ..؟
أوهل أُلقي القبض على مرتكب جرائم القتل التي ارتكبت من قبل في أمكنة عدة
، وبنفس الطرق والأساليب التي تمارس في ارتكاب هذا الجرائم البشعة .. وفي حين
تمتليء الأرواح بالحزن والألم ، يحتفل القتلة بأعراس انتصاراتهم ويرفعوا الأنخاب
فرحاً وانتصاراً .
أو نحمل على اكتافنا اسلحتنا ونجوب بها الشوارع وأمكنة اعمالنا ونذهب
بها حيث نذهب أو نريد ..؟
لقد بلغنا المدنية والتمدّن إذن ، وهاهي تأتينا دون مشقة أوعناء ..!
إن هذه المدينة – مدينتي – تسكنني رغم جفاءها وعنادها ومكابرتها الدائمة
، وبلاءها الذي يتزايد ، وكل يوم يظهر بشكل وبلون مغاير .. رغم كل شيء .. رغم
المفاجاءات والانتكاسات المفجعة .. ياوردة
عائمة في بحر من الموت والدماء .. هذا قدرك .. وقدرنا أن نحيا ونرى مايحدث ،
ومايصنعه طغاة العصر من ارهاب وقتل لأمة صنعت تاريخ أبيض لايعرف سوى السمو والنقاء
.
إن شرف الوطن . ومدينتي .. مهدور ومنتهك .. فأكتب بألم ووجع .. بدموعي وحبري .. فقد سرق القتلة عفة وطهر ووجه المدينة ، وتلطّخت
جدرانها وأزقتها وشرفاتها بالدم والموت وصارت تعيش من تدهور الى آخر ، نتألم كثيراً
أننا لم نصنع شيئاً في وقت ربما نستطيع فيه عمل ولو بعض الشيء ، وحين يذهب الوقت سنندم
أكثر بعد أن يكون حينها فقدنا من ايدينا
كثير من الأشياء ولا نعد نملك متسع للشكوى والندم .
في مدينتي .. بعد عمر مضى من الفرح ، امتدت إليها أيدي
القتل ورصاص الغدر والموت ليُذبح
أنبل وأشرف أبنائها في وضح النهار وعلى مرأى من ساكنيها وبتحدٍ أخرق ، كمن يقول
بغرور وكبرياء .. أنا هُنا .. ولاسواي .. وقد انسكب الدم ونزف بغزارة على أرض تكره
الموت وتعشق البهاء .. وقد يتسلل غداً الى البيوت والمنازل والحدائق والمدارس ، والأرواح
تتأمل بصمت ثم تذهب بعيداً .
اليوم شيء وغدا قد يكون شيء آخر .. لماذا لانُفكرّ اذاً في وضع الحلول
لمقاومة وردع مثل هذه المخاطر التي تقع علينا وتمارس ضدّنا
بين لحظة وأخرى ..؟
ثمّة نهار أسود يحتل الأمكنة ويتوسّد حُضن مدينتي وينام بين ذراعيها
ويغتصب بهجتها وفرحها لإذلالها ، ونشر الرعب والخوف بين أهلها وساكنيها ، وليغرقها
في بحر من الحزن والتوجّعات الكثيرة .
أرواح شيطانية تجاوزت بالأمس أسوار مدينتي وقتلت وذهبت ، وعادت ثم
ارتكبت جريمة أخرى ثم أخرى ، والصمت الجبان يُكمم الأفواه ، في وطن منهزم لايجيد
سوى الهرطقات وبيع اللغو من الكلام ..
ومدينتي لاتصنع الا الزهو والكبرياء ،
وقتل النور في أرواح تسعى لصناعة البهجة في زمن معتم ، ركب على صهوته الزائفون
والمفرغون من كل شيء ، الممتلئون بالكذب والزهو والكبرياء .
من أين يأتي هؤلاء القتلة وأين يذهبون ..؟ أي دولة بائسة أضاعت الأمن وفقدت الأمان .. وقتلت
السكينة والطمأنينة في الأرواح الصابرة على البؤس وشظف العيش ومكابدة الغلاء
والأمراض المزمنة ... ألا يكفي الإنسان مايعانية من ويلاتٍ وقهر منذ زمن بعيد .. فيأتي اليه سيل من الرصاص والدماء ويقضي على
ماتبقّى بداخله من نور وأمل ..؟
أي حكومة وأي دولة عنها تتحدثون ..؟
أهذه هي الحياة الكريمة التي وعدتم الشعب بها .. أهذه هي الدولة المدنية الحديثة التي تحدثم ولازلتم تتحدثون بالقيام بتشييدها
وبناءها ..؟ كاذبين وغير قادرين على فعل شيء .. ألا تخجلون .. أليست لكم وجوه
وأرواح تخجل مما يُصنع بشعبكم ..؟ سيسألكم الله ذات يوم بماذا سوف تجيبون .. هل
ستبكي أعينكم أم أنكم ستقولون لانعلم شيئاً ..؟
على رئيس الجمهورية إقالة الحكومة وتغيير بعض محافظي المحافظات ومدراء
الأمن فيها وبعض مدراء العموم في كثير من المديريات .. فقد كشفت الأيام فشل هؤلاء
.. وليس لديهم شيء سوى التشبّث بالكراسي ونسيان المواطن وآلامه وقضاياه ومخادعة
الأنسان والوطن .
لايمرُّ يوماً إلا ونسمع جريمة قتل هُنا ، أو هناك ... كم نرغب أن
نصحو يوماً على خبر مفرح يدخل الى أرواحنا الدهشة والبهاء .. لانستطيع ايجاد ذلك الفرح
وان سعينا نحوه هرب منّا وذهب بعيداً ..
وننام أكثر مساءاتنا على صور القتل والدم عبر شاشات تلفزتنا السقيمة عديمة الفائدة
، وقد صارت مبعث للاشمئزاز والإزدراء .
الى متى أيه الوطن الجريح المُكابر .. ؟ لم يجف دمعي وأنا أُسطر كلماتي عن جريمة مدينتي ،
اذا أفاجأ بجريمة أخرى في سيؤن .. بأي ذنب قُتلت هذه الأرواح .. اذنبها أنها تنتمي
لهذا الوطن ..؟ تباً لوطن يقتل أبناءه كل
يوم وهو فرح بالدم والسواد والحزن الذي
يتمدد وينتشر في الأرواح ويطبق على جميع الأمكنة .
إن أحرفي موجوعة وتنام في داخلي متدثرة بالحزن ويُغطّيها
الشحوب والضباب الأسود الكثيف .. وسمائي مُلبّدة بالسواد والحبر المليء برائحة
الجثث الطاهرة التي صعدت أرواحها الى السماء .. أخطو فأرى النهار
ليلا والليل نهاراً ، تتمدد اظافره ومخالبه لتنهش ربيع أيامي وتتركني خائباً منهزماً ،
يرافقني العويل والهزيمة والانكسار .
فلتُفتح الثغور وتحتضن صهيل
الأوفياء ، فذئاب المنيّة يتكاثرون بنهم وشراهة للظفر بالأبرياء .. فحتماُ سيبزغ
من جبال وأودية مدينتي فجر اثير بعد عقم ، وجماجم تناثرت لترسم الضوء في مسالك
الشوك وتنير الطريق للأوفياء القادمين .