لاتقتلوا قمري
..


خالد لحمدي



صحيفة المسيلة العدد ( 816) الأربعاء 4 ديسمبر 2013م
.....



الى مدينتي البائسة الكاذبة .
....


وحيداً بين نهارات مدينتي التي  تسعى لتسرق هودج عمري ..  فقد ادركت أخيراً أن الأمكنة تخون وتكذب أيضاً ، ليست الأرواح فقط 

الكاذبة .. وحيداً أخطو ، متلفعاً بعثرات صمتي ، وقد قتل الحنين والأقربون بسياطهم روحاً تتهيأ للصهيل .. برصاص للموت وآخر 

للقلب .. أخطو مُسهداً في نفق معتم ودروب عابسة ، وبين أكمة الزيف وعمائم المخاتلة ينسكب الدمع وتحترق الأشواق لهفة للقاء ، 

وحنين قلب مشرع لإحتضان روح عذبة  كالندى .. يأتيني صوتها مشحونا بالأسئلة .. مغدورا بعذابات مُعلّقة منذ عهد بعيد .. سنديانة 

تتضرع الحيرة وعذابات السكون .. تتقاذفها الوحشة وليالي الخواء . في زمن يقتل الحب ويزرع الوباء .. يجرفنا بتيارات مكره نحو 

طرق مشبوهة  تزرع النميمة وتتقن  صناعة الكذب بفحش وازدراء .

أيتها الفاتنة التي أحبها في مدينة بائسة كاذبة ، امسكي بيدي ولنذهب بعيداً .. فمدينتي تكره الحب وتجيد ذبح العشاق الوالهين .. روحي 
وعمري .. أشعر بكثير من الغيرة والقلق ، وصرت أشد حرصاً وخوفاً عليك من التوجعات والدموع المُخضّبة بالوهم والألم .

أيتها المجنونة أتدرين مافعل حُبك بي ..؟

لقد أتاني في ظرف حرج  وفي قمة يبابي وتعاستي ، فطوقني باغلال من الياسمين واسعدني كثيرا .

لم أكن أعرف أن مثل هذا سيحدث يوما معي .. لو كنت أدري لتهيأت له ، وأعددت مااستطعت من القيان والأقداح واللحون الضاجة 

بالنشوة والإشتهاء ..

ألا تلحظين في عيناي هذا الحب  الذي جاءني في لحظة خارجة عن الوقت ، مسروقة من رحم يتيم يشتعل توقاً وعطش .

أيتها الحبيبة الوالهة الخائفة .. ثمة شيء أبحث عنه وقد وجدته معك .. فلا تضيعيه بجنونك وبكاءك .. فلم أعد أقوى على حرائقي 

ولهفتي عليك .. ومدينتك .. مدينتي .. لاتعرف سوى الموت والدماء ، وتلاحقني بسياط اشباحها اللعينة الحاقدة .. فلتقفي اذا وتهتفي 

.. لاتقتلوا قمري .. وأؤكد لكِ بأن لن ينصرك أحد  وسيذهب صوتك  وأنتِ  تطلبين المدد .. فقد سكن الجبن الأرواح واعتادت على 

الصمت والهزيمة ..

أو تعلمين يا ( ...... )  أننا غرباء على أرضنا وقد قُتل الحب وسُرقت طفولتنا وأحلامنا وصرنا مفرغين من كل شيء .. وحين سرت 

حُمّى العشق في أرواحنا لم نُفكر حينئذ  أننا نسكن مدينة  لاتنبت ارضها سوى المنفى والخراب والغربة القاسية .

يقفز من تلابيب ذاكرتي سؤال يضج حرقةَ وقلقاً .. كيف لعشق تخلّق وولد في مدينة تكره الحب  وتعشق القبح والجدب والهزائم 

المتعاقبة ..؟

كان يمكن لهذا الحب أن يكون أكثر دفئاً ونوراً لو نشأ في أرض أو مدينة أخرى .. ورغم كل شيء لابد أن نُجبّر الكسر ونترك 

لأرواحنا اكتشاف ذاتها ورغباتها الضائعة .. نحن ادركنا متأخرين أن ارواحنا يملؤها العطش ، ويقتلها صوت القبيلة والعمائم الزائفة .

إن فكرتك في الهرب معا مدهشة ورائعة .. ولكن النور لايهرب وينشر خيوط بهاءه في جميع الأمكنة ، يملأ الفضاءات بهجة وضياء 

لاينتهي ..

فلنبق مثلما نحن ونصنع مانشتهي ونريد .. قد يقتل الحب أحياناً ، وإن كان كذلك .. سأبقى ولن انسحب فعتادي وجيادي مهيأة للمعركة 

والظفر بالغنائم .. ولن أذهب فلازلت في حاجة اليك .. عمري الذي سوف يجيء .. ويعيش في أرض غير عادلة .. يكفيني فقط .. 

أنكِ تشبهينني في كل شيء واشعر أنكِ أنا .. فلاتحزني حين بزغ هذا الحب من بين ركام العتمة وبراثن المدينة .. ودعينا نتدثر أشواقنا 

الساكنة أرواحنا وتكاد تشتعل جمرا وتحترق ..

أي الفصول التي نندفن الآن فيها ..؟  انني اشعر وكأني في صحراء يظللها الغيم وتفترشها عيون الورد وزخات المطر .. من أين أتى 

كل هذا السمو والرفعة .. من عينيك حبيبتي أم من صوتك .. من أين لك كل هذا السحر أيتها الرائعة .. أيتها الساحرة التي طوّحت بي 

الى اعماق عذبة وبعيدة ليس لها نهايات أوقرار ..؟

فلتمسكي بي جيداً .. إنني احتاج اليك .. خذيني من يدي واذهبي بي حيث تشائين .. اعلم مدى لهفتك وتخوّفك علي .. فأعدك أن 

ليس في القلب سواك ..  مجنونتي التائهة في بحار روحي ومياه اضلعي .. سنرسو قريباً ، دون  خسائر وسنرفع أعلامنا ورؤوسنا 

على أرض قتلتنا ولم تشفق بنا  قليلا .



         



     
  

المشاركات الشائعة من هذه المدونة