أَوَ هَلْ نَمْلِكُ وَطَناً ؟!
.............
خالد لحمدي
صحيفة المسيلة العدد ( 826 ) الأربعاء 5 مارس 2014م
.........
رغم غربة الروح وتشظيات الوجع العابر الأوردة والشرايين ، يبقى الحلم
بوطن يشغل الذاكرة ويسكن الفؤاد ، وتظل في
القلب شرفة ترى العين خلالها وميض ضوء ..
وتبقى الأحرف تُلاحق الروح باضطراب وقلق ،
ومن الاستحالة تركها غضبى تحترق ، فقد أبحث عنها ذات لحظة فتهرب منّي ، أو تتمرّد
ولاأستطع حينها حصارها والامساك بها .. وقد تزايدت في داخلي غربة الروح ووطن يلاحقني بنظرات اللامبالاة والاستهزاء
.
أيها الحرف المُفضض بالأمل ، الراعش بالخوف والرجاء
، قُل ماشئت فأنت في وطن الايمان والحكمة
.. الشاحب المُصفرّ .. القابع على أرصفة العالم يتسول الدفء والنور ويُصدّر البؤس
والشتات والتمزّق .. تشبّث بمبادئك أيها القلم
وإن نُزِعت روحك وساح دمك ، فأنت الحق
وسواك لايفقهون .. لقد اشمأزت
النفس من روائح الدماء وسِماع الأخبار المُفجعة بين فينة وأخرى .. وإن ذوي المشاعر
المرهفة والأحاسيس الراقية والثقافة والقّيم النبيلة ، ليست لهم مكانة في عصرنا
الموبؤ بالانتكاسات والفواجع والجرائم والنكبات المتلاحقة .. فكل المسالك متداخلة
بعضها بالآخر .. كل الدروب ضيّقة لاتتسع للحلم والأماني ، وتنتحر على حوافها
الأحلام وعيون الأمل .. لقد تسارعت خطى الموت والقسوة والبشاعة بجنون ، وانسحب
النور واستيقظت العتمة وخيوط الظلام .. وإن الهزائم والخيبات التي تُلاحقنا اعتادت
عليها أرواحنا .. ولكن .. أن تَظل تسحقنا
واحدا تلو الآخر .. ذلك لن يُقبل به ويجب أن لايكون .. فلاأحد يرغب أن يَظل يُراوح مكانه طوال الزمن .. بل يحلم بالتقدّم
والرقي نحو الأفضل .. وللأسف نحنُ نتراجع للخلف بخطى متسارعة ويصعب علينا أن نعود
.. لذلك تتملّكني الحيرة والدهشة من الذين يتغنون بحضاراتنا وأمجادنا السالفة والانجازات
المُحققة في الحاضر والفائت ، في حين لم يُقدّم هؤلاء المتباهون شيئا يُذكر سوى
تحقيق أحلام ذواتهم الخاصة .. هؤلاء المُطبّلين للسلطة والمتلوّنين وفق العصر واللحظة .. هم
الذين على ايديهم ينهار ويُذبح الوطن ، وتموت أمة صابرة على الوجع والخواء وهم
واقفين يهزؤون .. ماذا صنع هؤلاء ..؟ الذين يتباهون ببدلاتهم وربطات أعناقهم في المؤتمرات واللقاءات .. ألا يخجلون قليلا ..؟
إن أمجاد وتاريخ اليمن وحضاراته ، قد صنعتها عقول مخلصة في زمن مضى ولن يعود .. كان الصدق
حليفها ، ولاتعرف عن التصفيق شيئا ولاتُجيد الخديعة والنفاق ... وإني اتسائل بألم وتوجّع
.. أو هل نملك وطناً يعيش في دواخلنا ..
يسكننا ونسكنه ، ننام على ضحكاته وهمسه ، ونصحو على أصوات عصافيره الحالمة بالشجن ..؟ هل نَحنُ في
وطن يعشق الحب والسلام .. هل لدينا حكومة
تعرف أبجديات السمو ، والارتقاء بالفكر، والعقل ، والمثقف ، والمبدع ، والمُنتج ، والمساواة والعدالة .. وتدرك
جيداً من هو الأنسان ..؟ نحن في وطن تتفجّر ينابيع عيونه الآسنة بثقافة الفقر والجوع والفاقة
والعوز والموت والاغتيالات وقتل الانسانية ، ويتبجّح على تُرابه الشيطان
بزهو وكبرياء .. والأخطر ، هو موت الضمير والعقل معاً
.
إن الحكومة التي لاتُوفر لشعبها سُبل العيش بكرامة وطمأنينة ، وتجعل
أبناءها يُهاجرون الى أوطان عدة بحثاً عن الخبز والدواء ، وآخرون نحو المقابر .. هي
حكومة فاشلة .. تكره أبناؤها ، وليس لها أمان ، ولاتَعرف عن الحب شيئاً ولاتعشق
السلام .. وإن الذي يقتل النفس الذي حرّم الله إلا
بالحق ، هو عدو السلام .. والذي يهذي بزهو وتعالٍ إن الوحدة اليمنية خط أحمر
ولانقاش أوجدل فيها أو حولها .. هو قاتل للسلام .. والذي يقتل الناس فرادا وجماعات
بأسم الله والدين هو عدو للسلام ، والذي يفرض فكره ورؤاه وينقلب بعدوانية ضد الآخر هو عدو السلام ، الذي يقف مع الزيف والباطل ضد الحق والحقيقة هو أفاك وقاتل وعدو للحب
والجمال والسلام .
أيها الوطن الجرح ، ثمة قلوب وأرواح تعشق البهجة والأمن والأمان
والرخاء والعدل والتسامح وثقافة المحبة والسلام ، نطقت بالحق ولازالت .. ولم تستطع
أن تُغير شيئا.. وعالم الغيب يعلم بما في السرائر والأفئدة .. لذلك أقول
بصوت يمقت الزيف والدمار والخراب ، ويعشق الحب والخير والأمن والسمو ويُغنّي للسلام
... إنكم تسعون لقتل الحلم والأمل والطفولة في وطني ، والأوطان
لاتُبنى بالعمائم واللحى والخناجر والرصاص وأحكام القبيلة .. والذين يسعون
لذلك واهمون كثيراً ، قد تَظل وقتاً سُحب
الزيف تُغطّي وتحجب شمس الحق ، طالما هناك فكر مُتخلّف يسعى لحجب النور ويحتضن
العتمة الباذخة . لكن .. سيأتي زمن يتحرر النور من براثن العتمة ويبزغ الحق ويذهب
الكاذبون .. فالديمقراطية الحقة التي تدّعي بها حكوماتنا المتعاقبة والحالية هي أن
يشعر المواطن أنّ له كرامة وحق مُصان على تراب وطنه ، يُحقق مايحلم به ، يشعر
بالأمان وينظر الى المستقبل بروح ملأى بالتفاؤل والأمل .. يرى البهجة في وجوه
أطفاله ويسمع أصواتهم تتغنى بوطن عزيز جميل .. كيف سيتحقق
هذا والناس ترى الفسدة والمُفسدين يسرحون أمامهم بغرور واستهزاء ، يعتلون السيارات
الفارهة ، ويملئون بطونهم من أموال الشعب ، وفي وجوههم نظرات التعالي والكبرياء
.. متى تعي الحكومة أنها لم تُقدم شيئا
لهذه الأمة الصابرة الجائعة ، سوى إعلام وأبواق تُصدّر الكذب والوهم ، وصارت الثقة مفقودة بين الحاكم والشعب .. والعالم حولنا يتطور بتسارع ، وحكومتنا تتغنّى
بالحوار ومخرجاته ، والشعب يموت جوعا وفقرا ومرضا ، والأمن مفقود ، بل ومنعدم في أمكنة كثيرة ، وتدهور وانحدار سحيق في كل شيء
.. ومما لاشك فيه أن الحكومة تتغابى ..
ولتدرك جيدا أن ارادة الشعوب لاتُقهر ، وإن
تزايد توجعاتها وغبنها وقهرها ، هو تسريع في زوال أي حكومة فاشلة لاتهتم
بشعبها ، ولاتُجيد شيء سوى البهرجة وتوزيع
الكلام
.