ممرات قلقة


من رواية صمت الأشرعة
...                                                               


خالد لحمدي





صحيفة المسيلة العدد ( 829) الأربعاء 26 مارس 2014م

.....





للتو ما إن فتحت الورقة وتأملت سطورها عرفت من أحرفها المرتبكة أنها مُرسلة من شريفة .. هي هكذا حين تكون مضطربة تتداخل أحرفها وتفقد اتزانها وأناقتها .. تخبرني بضرورة  لقائها بي هذا المساء على الكبس .. ايقنت للتو بأن ثمة أمر حدث ، فقد سنحت الفرصة إذن كي أقول لها .. أنا هاتفك الخلوي ولسانك وصوتك ولاسواي ، سفينتك التي ستُبحر بكِ نحو ضفاف وأمكنة رائعة بعيدة .. عديني فقط أن لاتكونين لاأحد غيري ، فأنا مدينتك وبيتك وملجاؤك والأمان الذي تنشدين وثقي جيدا أن الخوف والوحشة يفقدان الروح البهجة والسكينة .. اكملت قراءة مافي سطور قصاصة الورق مستحضرا وجه شريفة الطفولي واقفا يحُدثني بشوق وحنين عن ماض لازال يسكن ذاكرتها لم تستطع نسيانه أو التخلي عنه وقد اصبح عائق أتعثر به في كل خطواتي ويعيقني من تقدمي وخطوي .. رغم كل ذلك ذهبت لموعدي .. وأتيت متأخراً بعض الوقت فوجدت شريفة تنتظرني ومقعدا شاغرا تحتجزه مواجها للطاولة التي أمامها ينتظرني .. كان لقاء ليس ككل لقاءاتنا ، شعرت للتو بذلك .. وجهها مشرق وابتسامة تُزيّن وجهها .. ترتدي عباءة سوداء مُطرّزة .. أدرك جيدا أنها ستسبقني قبل الموعد بزمن ، أرى وجوه كثيرة تتحلّق حول كثير من الطاولات وابتسامات تغمر الليل بكثير من الشجن .. شعرت حينها بوحدتي التي مابرحت أن تغادرني وتقودني نحو سديم من الوحشة وعمر من القلق .. الليلة ستغادر اشرعتي صمتها وارتعاشاتها المتواترة .. لاأدري كيف سقط سؤالي .. أو لازلتِ على رأيك تصرين ..؟ إنني لم أعد أستطع تحمّل بُعدكِ وغيابك عنّي ، وارفض أن تحكمنا أعراف معطوبة مستحيلة .. فقد تغيرّ العالم وانطفأت كثير من المعتقدات وأبيك لايزل محتفظا بوهمه وخيالاته العقيمة .. شرّوف .. عمري .. احتاجُكِ .. فلاتتركينني لشتاءات حزني وعزلتي القاسية .. لقد بدأت أشعر أنني غريب في هذه المدينة ، وأحلامنا توشك أن تغادرنا وتنطفيء ، فلنعش حياتنا قبل أن تذهب بنا اقدارنا نحو نهاياتنا التي لانعلم كيف ستكون .. أو هل ثمة خطأ فيما قُلتُ لك ..؟  شرّوف .. إني في حاجة لمؤازرتك ووقوفك معي ، فقد جئت من أرض تعشق النميمة والمخادعة ، فلاتتركينني  أموت غربة وغياب .. فنحن في حاجة  لبعض .. فأوجاعنا وأحلامنا تتشابه ، فلاداع لنكون سببا في موتها .. أيتها الروح الجميلة التي تطير حولي أين تذهبين بي ..؟ إن حدائق وعيون الجنة تتراءى أمامنا فلندخلها بسلام آمنين ، ولنترك خلفنا صقيع ليلنا وكآباتنا واسقامنا المتزايدة ، ولنعش اللحظة ، فلاندري  قد لانجدها ، ونبقى نبحث عنها ولاتعود الينا مرة أخرى .. سأخبرك شيئا .. منذ البارحة لم اتناول شيئا من الطعام وأمعائي خاوية إلا من بعض السجائر وقليلا من الماء .. لم أعمل طوال الشهر ، ومع  كل هذا أشعر أن الحياة لاتُقاس أو تُحتسب بكثرة تعاستنا وتوجعاتنا ، بل بسعادتنا ومانستطيع تحقيقه من أحلام  وطموحات مؤجلة .. شريفة .. إن أبيك لايعرف الحق ويتغابى عن الحقيقة .. وأني منذهل بأن ثمة أناس لازالوا بهذه العقلية يفكرون .. ونحن عاجزون عن صنع شيئا يخرجنا من محيطنا المؤبوء بالوصايا والعقد المميتة .. ليس المطلوب منك  سوى الوقوف في وجه الخوف وعمائم المخاتلة .. فلم نكن هكذا ذات يوم .. أي زمن هذا الذي يقتل الحب فينا بغرور وكبرياء ..؟  إننا تعساء حقا حين تجمعنا بيوتا بعقول مهترئة لاتفصل بين الوهم والحقيقة ... واه ذا ياأيمن .. لم أكن اعلم أن غيابي عنك أيام سيجعلك تمتلىء بالمرارة والصور القاتمة . 

                   

المشاركات الشائعة من هذه المدونة