وجه العتمة وظلال القلق
...
خالد
لحمدي
...
نحن في أزهى عصور الفقر والخوف والقتل وعلى صهوة الديمقراطية نطير
عالياً وهي تستفرد بنا واحد تلو آخر وتذبح
كل يوم ضحية وتُردد هل من مزيد ..؟
-------
أبتعدت
عن التلفاز وقراءة الصحف ومتابعة الأخبار وتفاصيلها وكل مايأتي بنحس وشئوم الي ، وتركت
مراكبي تنحو بي نحو شواطىء الحب ومنابع الوله والدهشة .. أصنع لقلمي ضفاف وأمكنة اسكنها وتسكنني .. أضع
على حوافها تلابيب روحي وبعض دفاتر أحلامي الحاضرة المستحيلة ، مبتعد عن خناجر الزيف وأصوات الدجل القاتلة للطهر
والفضيلة .. ورغم كل ذلك .. ظلّت تلاحقني الخيبات والموت والرصاص والتوجعات
الكثيرة .. ودواخلي حائرة مرتبكة .. بين لغة المُسدّس وأبجديات القلم .. حين يطغي الرصاص وينكسر القلم .. وتخضر الأرض
بالدم وتتوشح بثياب العزاء والحداد .
إن وجه
العتمة وظلال القلق تجتث سكون المدينة وتملأ السكينة بأصوات المدافع وتحيل
الأمنيات والحلم الى كوابيس وسهد في أعين الطفولة والشيوخ والنساء ، واصبحنا نتساقط
من علو شاهق وتاريخنا يذبح وينكسر من جديد .. ويمشي بنا نحو الذهول والفجيعة وعلى
رؤوس الجماجم وروائح الموت والدماء .
ماالخيارات اذن .. أنكون أوفياء أم منافقين أونظل ممسكين بصمتنا
وكبرياؤنا وأرواحنا المعطوبة البائسة التي غزاها الحذر وانعدام الرؤية ووضوح المصير ..؟
يجب أن
نعي جيدا .. حين يذهب الأمن يموت الوطن .. اذا كيف نستطع أن نُفكر والظلام يتكاثف ويتزايد
حولنا وقذائف الموت تتساقط على البحر والجبل وتصطاد جماجم الأبرياء الآمنين ...؟
ذلك نذير شؤم يُحلٌق على رؤوسنا ولاندر بأي طريقة سوف نُقتل أونموت .. والأحرى
بنا أن لاندع القنابل تتحدّث ، ونحن في صمت وسهو ، ونناظر من سطوح منازلنا ومن أفق
بعيد .. الأجدر بنا أن نرفع أصواتنا عاليا .. يجب أن تُطهر المدينة .. وقبل أن
يكون الوطن في حماية العسكر ، فهو أمانة في أعناق أبناءه البررة الصادقين .. ومن
تخلّف عن وأد الفتنة فهو من الكاذبين .. والقذائف
اليوم هنا وغدا سيتقاسم انهماراتها كل أبناء الوطن ، فبعد أن كُنّا نتقاسم الفرح
مع بحر وشاطىء منطقة ( خلف ) وتعانق أرواحنا جبلها وتترك على حوافه أجمل الصور وفي
وكهوفه أعذب اللحظات .. صار الآن يعانق الدم والنزف .. وتدفقت ألسنة الحرائق واللهب
نحو مياهه وسكن الضباب والدخان المنازل ، وكان الرصاص أكثر غباء وزهو ، ليتغلغل في
الجماجم وأجساد الأبرياء ، ومن كان قد استخف بحياته وروحه فلن يخف يوم على أرواح الآخرين .
ان حضرموت تُزف بالدمار وتتخضّب بالدم وأبناؤها شاهدين .. وان التاريخ
من حيث بدأ سوف ينتهي وليس بإمكان أحد أن يُغيره أو يمحو منه أي شيء .. وإن بقي سيناريو الدم والموت شرهٍ ، والضحايا أعدادها في تزايد وتتسائل من
قبورها .. من يثأر لدماؤنا وينتصر للحق ولنا ..؟
فمابين
قتيل وقتيل نسعى جاهدين للتخلّص من آثار صدماتنا وفجائعنا ، فيرسل القدر مآساة أوكارثة جديدة ، فنقف منذهلي الحواس وعلى وجوهنا
يرتسم حزن ووجه وطن ، أوهل نموت بأزماتنا النفسية أم بجلطات قلبية تُنهينا بين
لحظة وأخرى أم نحتجز أرواحنا في غرف مغلقة
كي لانسمع ولانرى مايحدث أويكون ..؟
لم نعد
نحتمل كل هذا الخراب والألم ونحن الذي نُصدّر الفرح ، وقد صرنا اليوم نستجدي من
يحتضننا ويُطبّب جراحنا ويخرجنا من أزماتنا وكوارثنا المتعاقبة .
ألم يكفي
هذه الأمة صدمات وانتكاسات ، وقد وصل بالبعض أن لايستطع دفع روشتة دواءه ومرضه ، أو ايجاد وتوفير أبسط الضروريات الحياتية ،
ولايملك شيء سوى الحلم بوطن وكثير من
العزة والكبرياء .
من ينتصر
اذن .. لهؤلاء .. وللأرواح التي أزهقت من العسكر والمواطنين .. أذنبها أنها تنتمي
لهذا الوطن ..؟
إن ماجرى ويجري في حضرموت ، من فوضى وقتل ..
تقوده عقول تكره الحياة ولاتعشق سوى مصالحها .. ولن تستطع يوم أن تُحرّف شيء من
التاريخ أو تُغير الحقيقة .. وسيبقى النور
هادىء للحق ومسلكٍ للصواب .
ولكن ..
من المسئول عن ترويع الأمة وقتل الأنفس المقتولة دواخلها منذ زمنٍ بعيد ..؟
إننا أمة
تعاني كثيرا من تزايد عدد قتلاها ، لا تعداد سكانها ، ولانعلم كيف نهاياتنا
وخواتمنا ستكون ..!
نحن في
أزهى عصور الفقر والخوف والقتل وعلى صهوة الديمقراطية نطير عالياً ، وهي تستفرد
بنا واحد تلو آخر وتذبح كل يوم ضحية وتُردد هل من مزيد ..؟
فإلى أي
رقم وصل عدد قتلى الوطن من أبناؤه ورجاله
وجنوده وساسته ، وهل وصلت يد الوطن الى قاتل هؤلاء .. أم أن قدرنا أن نحيا في وطن
منتهك مكابر ومُخيف .. وإن ماحدث في
المكلا .. قتل للحلم والأمنيات الجميلة في مدينة ناصعة البياض كثيرة الطهر والنقاء
، تنام على طرطشات ورذاذ بحر لايعرف الكذب ويعشق الوفاء ، وتصحو على أصوات النوارس
وابتسامات وجوه تعشق البهجة ولاتجيد سوى الفرح والبهاء .. ورغم كل ماحدث ويحدث ..
ستبقى الأرواح مُعلّقة بوطن مُعافى تمتليء
سماءه بالنور والمطر ، ولايعرف أبناؤه شيء عن القتل والخراب والبكاء .